Sabilillah
بحر الرائق الجزء الثاني ص: 259
(قوله: ومنقطع الغزاة) هو المراد بقوله تعالى "وفي سبيل الله" وهو اختيار منه لقول أبي يوسف وعند محمد منقطع الحاج وقيل طلبه العلم واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية وفسره في البدائع بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا اهـ ولا يخفى أن قيد الفقير لا بد منه على الوجوه كلها فحينئذ لا تظهر ثمرته في الزكاة وإنما تظهر في الوصايا والأوقاف كما تقدم نظيره في الفقراء والمساكين
(قوله فحينئذ لا تظهر ثمرته في الزكاة) قال في النهر والخلاف لفظي للاتفاق على أن الأصناف كلهم سوى العامل يعطون بشرط الفقر فمنقطع الحاج يعطى اتفاقا اهـ هذا وفي منح الغفار بعد ذكره ما مر عن البدائع من تعليل حل الدفع للعامل الغني بأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية إلخ قال وبهذا التعليل يقوى ما نسب إلى بعض الفتاوى أن طالب العلم يجوز له أن يأخذ الزكاة وإن كان غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لكونه عاجزا عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه وهكذا رأيته بخط موثوق وعزاه إلى الواقعات والله تعالى أعلم اهـ قلت وقد رأيته أيضا في جامع الفتاوى معزيا إلى المبسوط ونصه وفي المبسوط لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا إلا إلى طالب العلم والغازي والمنقطع لقوله عليه السلام ويجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة اهـ وهذا مناف لدعوى النهر تبعا لفتح القدير الاتفاق تأمل
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الجزء الثاني ص: 471 لعلاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي
وأما قوله تعالى "وفي سبيل الله} عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا وقال أبو يوسف المراد منه فقراء الغزاة لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك وقال محمد: المراد منه الحاج المنقطع لما روي {أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمره النبي أن يحمل عليه الحاج} وقال الشافعي: يجوز دفع الزكاة إلى الغازي وإن كان غنيا وأما عندنا فلا يجوز إلا عند اعتبار حدوث الحاجة واحتج بما روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال {: لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأعطاها له} وعن عطاء بن يسار عن النبي أنه قال {: لا تحل الصدقة إلا لخمس العامل عليها ورجل اشتراها وغارم وغاز في سبيل الله وفقير تصدق عليه فأهداها إلى غني} نفى حل الصدقة للأغنياء واستثنى الغازي منهم والاستثناء من النفي إثبات فيقتضي حل الصدقة للغازي الغني ولنا قول النبي: {لا تحل الصدقة لغني} وقوله {: أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم} جعل الناس قسمين قسما يؤخذ منهم وقسما يصرف إليهم فلو جاز صرف الصدقة إلى الغني لبطلت القسمة وهذا لا يجوز وأما استثناء الغازي فمحمول على حال حدوث الحاجة وسماه غنيا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة وهو أن يكون غنيا ثم تحدث له الحاجة بأن كان له دار يسكنها ومتاع يمتهنه وثياب يلبسها وله مع ذلك فضل مائتي درهم حتى لا تحل له الصدقة ثم يعزم على الخروج في سفر غزو فيحتاج إلى آلات سفره وسلاح يستعمله في غزوه ومركب يغزو عليه وخادم يستعين بخدمته على ما لم يكن محتاجا إليه في حال إقامته فيجوز أن يعطى من الصدقات ما يستعين به في حاجته التي تحدث له في سفره وهو في مقامه غني بما يملكه لأنه غير محتاج في حال إقامته فيحتاج في حال سفره فيحمل قوله {: لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في سبيل الله} على من كان غنيا في حال مقامه فيعطى بعض ما يحتاج إليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة إلا أنه يعطى حين يعطى وهو غني وكذا تسمية الغارم غنيا في الحديث على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به وقد حدثت له الحاجة بسبب الغرم وهذا لأن الغني اسم لمن يستغنى عما يملكه وإنما كان كذلك قبل حدوث الحاجة فأما بعده فلا
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 267)
اتفق جماهير فقهاء المذاهب(1) على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى من بناء المساجد والجسور والقناطر والسقايات وكري الأنهار وإصلاح الطرقات، وتكفين الموتى، وقضاء الدين، والتوسعة على الأضياف، وبناء الأسوار وإعداد وسائل الجهاد، كصناعة السفن الحربية وشراء السلاح، ونحو ذلك من القرب التي لم يذكرها الله تعالى مما لا تمليك فيه؛ لأن الله تعالى قال: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة 9/ 60] وكلمة "إنما" للحصر والإثبات، وتثبت المذكور وتنفي ما عداه، فلا يجوز صرف الزكاة إلى هذه الوجوه؛ لأنه لم يوجد التمليك أصلا. لكن فسر الكاساني في البدائع سبيل الله. بجميع القرب، فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا؛ لأن {في سبيل الله} عام في الملك، أي يشتل عمارة المساجد ونحوها مما ذكر، وفسر بعض الحنفية {سبيل الله} بطلب العلم ولو كان الطالب غنيا. قال أنس والحسن: (ما أعطيت في الجسور والطرق، فهي صدقة ماضية). وقال مالك: سبيل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو.
(قوله: ومنقطع الغزاة) هو المراد بقوله تعالى "وفي سبيل الله" وهو اختيار منه لقول أبي يوسف وعند محمد منقطع الحاج وقيل طلبه العلم واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية وفسره في البدائع بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا اهـ ولا يخفى أن قيد الفقير لا بد منه على الوجوه كلها فحينئذ لا تظهر ثمرته في الزكاة وإنما تظهر في الوصايا والأوقاف كما تقدم نظيره في الفقراء والمساكين
(قوله فحينئذ لا تظهر ثمرته في الزكاة) قال في النهر والخلاف لفظي للاتفاق على أن الأصناف كلهم سوى العامل يعطون بشرط الفقر فمنقطع الحاج يعطى اتفاقا اهـ هذا وفي منح الغفار بعد ذكره ما مر عن البدائع من تعليل حل الدفع للعامل الغني بأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية إلخ قال وبهذا التعليل يقوى ما نسب إلى بعض الفتاوى أن طالب العلم يجوز له أن يأخذ الزكاة وإن كان غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لكونه عاجزا عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه وهكذا رأيته بخط موثوق وعزاه إلى الواقعات والله تعالى أعلم اهـ قلت وقد رأيته أيضا في جامع الفتاوى معزيا إلى المبسوط ونصه وفي المبسوط لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا إلا إلى طالب العلم والغازي والمنقطع لقوله عليه السلام ويجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة اهـ وهذا مناف لدعوى النهر تبعا لفتح القدير الاتفاق تأمل
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الجزء الثاني ص: 471 لعلاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي
وأما قوله تعالى "وفي سبيل الله} عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا وقال أبو يوسف المراد منه فقراء الغزاة لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك وقال محمد: المراد منه الحاج المنقطع لما روي {أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمره النبي أن يحمل عليه الحاج} وقال الشافعي: يجوز دفع الزكاة إلى الغازي وإن كان غنيا وأما عندنا فلا يجوز إلا عند اعتبار حدوث الحاجة واحتج بما روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال {: لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأعطاها له} وعن عطاء بن يسار عن النبي أنه قال {: لا تحل الصدقة إلا لخمس العامل عليها ورجل اشتراها وغارم وغاز في سبيل الله وفقير تصدق عليه فأهداها إلى غني} نفى حل الصدقة للأغنياء واستثنى الغازي منهم والاستثناء من النفي إثبات فيقتضي حل الصدقة للغازي الغني ولنا قول النبي: {لا تحل الصدقة لغني} وقوله {: أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم} جعل الناس قسمين قسما يؤخذ منهم وقسما يصرف إليهم فلو جاز صرف الصدقة إلى الغني لبطلت القسمة وهذا لا يجوز وأما استثناء الغازي فمحمول على حال حدوث الحاجة وسماه غنيا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة وهو أن يكون غنيا ثم تحدث له الحاجة بأن كان له دار يسكنها ومتاع يمتهنه وثياب يلبسها وله مع ذلك فضل مائتي درهم حتى لا تحل له الصدقة ثم يعزم على الخروج في سفر غزو فيحتاج إلى آلات سفره وسلاح يستعمله في غزوه ومركب يغزو عليه وخادم يستعين بخدمته على ما لم يكن محتاجا إليه في حال إقامته فيجوز أن يعطى من الصدقات ما يستعين به في حاجته التي تحدث له في سفره وهو في مقامه غني بما يملكه لأنه غير محتاج في حال إقامته فيحتاج في حال سفره فيحمل قوله {: لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في سبيل الله} على من كان غنيا في حال مقامه فيعطى بعض ما يحتاج إليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة إلا أنه يعطى حين يعطى وهو غني وكذا تسمية الغارم غنيا في الحديث على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به وقد حدثت له الحاجة بسبب الغرم وهذا لأن الغني اسم لمن يستغنى عما يملكه وإنما كان كذلك قبل حدوث الحاجة فأما بعده فلا
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 267)
اتفق جماهير فقهاء المذاهب(1) على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى من بناء المساجد والجسور والقناطر والسقايات وكري الأنهار وإصلاح الطرقات، وتكفين الموتى، وقضاء الدين، والتوسعة على الأضياف، وبناء الأسوار وإعداد وسائل الجهاد، كصناعة السفن الحربية وشراء السلاح، ونحو ذلك من القرب التي لم يذكرها الله تعالى مما لا تمليك فيه؛ لأن الله تعالى قال: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة 9/ 60] وكلمة "إنما" للحصر والإثبات، وتثبت المذكور وتنفي ما عداه، فلا يجوز صرف الزكاة إلى هذه الوجوه؛ لأنه لم يوجد التمليك أصلا. لكن فسر الكاساني في البدائع سبيل الله. بجميع القرب، فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا؛ لأن {في سبيل الله} عام في الملك، أي يشتل عمارة المساجد ونحوها مما ذكر، وفسر بعض الحنفية {سبيل الله} بطلب العلم ولو كان الطالب غنيا. قال أنس والحسن: (ما أعطيت في الجسور والطرق، فهي صدقة ماضية). وقال مالك: سبيل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو.
Komentar
Posting Komentar