METALAK ISTRI DALAM KEADAAN MARAH

[الرملي، شهاب الدين، فتاوى الرملي، ٢٧٢/٣]
(سُئِلَ) عَنْ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فِي حَالِ الْغَضَبِ الشَّدِيدِ الْمُخْرِجِ عَنْ الْإِشْعَارِ هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ عَصْرِيٌّ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّنْجِيزِ أَمْ لَا وَهَلْ يُصَدَّقُ الْحَالِفُ فِي دَعْوَاهُ شِدَّةَ الْغَضَبِ وَعَدَمَ الْإِشْعَارِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْغَضَبِ فِيهَا نَعَمْ إنْ 
كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ عُذِرَ.

إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، ٩/٤
واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان، وإن ادعى زوال شعوره بالغضب،
(قوله: واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان) في ترغيب المشتاق : سئل الشمس الرملي عن الحلف بالطلاق حال الغضب الشديد المخرج عن الاشعار: هل يقع الطلاق أم لا؟ وهل يفرق بين التعليق والتنجيز أم لا؟ وهل يصدق الحالف في دعواه شدة الغضب وعدم الإشعار؟.
فأجاب: بأنه لا اعتبار بالغضب فيها.
نعم: إن كان زائل العقل عذر. اه.

[وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، ٦٨٨٢/٩]
طلاق الغضبان: يفهم مما ذكر أن طلاق الغضبان لا يقع إذا اشتد الغضب، بأن وصل إلى درجة لا يدري فيها ما يقول ويفعل ولا يقصده. أو وصل به الغضب إلى درجة يغلب عليه فيها الخلل والاضطراب في أقواله وأفعاله، وهذه حالة نادرة. فإن ظل الشخص في حالة وعي وإدراك لما يقول فيقع طلاقه، وهذا هو الغالب في كل طلاق يصدر عن الرجل؛ لأن الغضبان مكلف في حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق وطلاق وغيرها.

[ابن عابدين ,الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) ,3/244]
مَطْلَبٌ فِي طَلَاقِ الْمَدْهُوشِ وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: غَلِطَ مَنْ فَسَّرَهُ هُنَا بِالتَّحَيُّرِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّحَيُّرِ وَهُوَ التَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ ذَهَابُ الْعَقْلِ. وَسُئِلَ نَظْمًا فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهُوَ مُغْتَاظٌ مَدْهُوشٌ، أَجَابَ نَظْمًا أَيْضًا بِأَنَّ الدَّهْشَ مِنْ أَقْسَامِ الْجُنُونِ فَلَا يَقَعُ، وَإِذَا كَانَ يَعْتَادُهُ بِأَنْ عُرِفَ مِنْهُ الدَّهَشُ مَرَّةً يُصَدَّقُ بِلَا بُرْهَانٍ. اهـ. قُلْت: وَلِلْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيِّ رِسَالَةٌ فِي طَلَاقِ الْغَضْبَانِ قَالَ فِيهَا: إنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَبَادِئُ الْغَضَبِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ، وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَالثَّانِي أَنْ يَبْلُغَ النِّهَايَةَ فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ.
الثَّالِثُ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ كَالْمَجْنُونِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ أَقْوَالِهِ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْغَايَةِ الْحَنْبَلِيَّةِ، لَكِنْ أَشَارَ فِي الْغَايَةِ إلَى مُخَالَفَتِهِ فِي الثَّالِثِ حَيْثُ قَالَ: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ غَضَبٍ خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ اهـ وَهَذَا الْمُوَافِقُ عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ فِي الْمَدْهُوشِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّا لَمْ نَعْتَبِرْ أَقْوَالَ الْمَعْتُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَعْلَمُ فِيهَا مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْتُوهَ لَمَّا كَانَ مُسْتَمِرًّا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ وَاكْتُفِيَ فِيهِ بِمُجَرَّدِ نَقْصِ الْعَقْلِ، بِخِلَافِ الْغَضَبِ فَإِنَّهُ عَارِضٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الدَّهَشُ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَدْهُوشِ وَالْغَضْبَانِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الْهَذَيَانِ وَاخْتِلَاطِ الْجَدِّ بِالْهَزْلِ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي السَّكْرَانِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يُنَافِيهِ تَعْرِيفُ الدَّهَشِ بِذَهَابِ الْعَقْلِ فَإِنَّ الْجُنُونَ فُنُونٌ، وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي الْبَحْرِ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَأَدْخَلَ فِيهِ الْعَتَهَ وَالْبِرْسَامَ وَالْإِغْمَاءَ وَالدَّهَشَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ إلَّا نَادِرًا، وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ الْمَجَانِينِ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَيُرِيدُهُ وَيَذْكُرُ مَا يَشْهَدُ الْجَاهِلُ بِهِ بِأَنَّهُ عَاقِلٌ ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهُ فِي مَجْلِسِهِ مَا يُنَافِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَجْنُونُ حَقِيقَةً قَدْ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَدْهُوشِ وَنَحْوِهِ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِغَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَتِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ اخْتَلَّ عَقْلُهُ لِكِبَرٍ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ لِمُصِيبَةٍ فَاجَأَتْهُ: فَمَا دَامَ فِي حَالِ غَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُهَا وَيُرِيدُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِرَادَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِعَدَمِ حُصُولِهَا عَنْ الْإِدْرَاكِ صَحِيحٌ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي التَّعْلِيقِ عَنْ الْبَحْرِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ: لَوْ طَلَّقَ فَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّك اسْتَثْنَيْت وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا غَضِبَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَسِعَهُ الْأَخْذُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِلَّا لَا اهـ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ بِقَوْلِهِمَا إنَّك اسْتَثْنَيْت، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، وَإِلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ أَنَّهُ لِقُوَّةِ غَضَبِهِ قَدْ يَنْسَى مَا يَقُولُ وَلَا يَتَذَكَّرُهُ بَعْدُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَارَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا لَا يَفْهَمُهُ أَوْ لَا يَقْصِدُهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجُنُونِ، وَيُؤَيِّدُهُ هَذَا الْحَمْلُ أَنَّهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ عَالِمٌ بِأَنَّهُ طَلَّقَ وَهُوَ قَاصِدٌ لَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاسْتِثْنَاءَ لِشِدَّةِ غَضَبِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْمَرَامِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْجَوَابَ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَضِبَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا لَا يَحْفَظُهُ بَعْدَهُ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ، فَقَوْلُهُ لَا يَحْفَظُهُ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


[البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، ٢٣٥/٥]

(وَالْغَضْبَانُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُر مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ) النَّوَوِيَّةِ مَا يَقَعُ مِنْ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ وَفِي نُسْخَةٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ) مِنْهَا حَدِيثُ خُوَيْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي فِي الظِّهَارِ وَفِيهِ غَضِبَ زَوْجُهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ وَقَالَتْ: إنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا أَرَاك إلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَفِي آخِرِهَا قَالَ فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ وَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشْرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ (وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ لَكِنْ إنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ أُغْشِيَ عَلَيْهِ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِزَوَالِ عَقْلِهِ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُون (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِيلَاءِ) .


[الرحيباني، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، ٣٢٢/٥]

(وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ غَضِبَ) وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ ": مَا يَقَعُ مِنْ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.

وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي فِي الظِّهَارِ، وَمِنْهُ «غَضِبَ زَوْجُهَا، فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: إنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَرَاك إلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، فَفِي آخِرِهَا قَالَ «فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا» .

وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ، وَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ مُطْلَقًا، بَلْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِرِسَالَةٍ سَمَّاهَا " إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ "

وَفَصَّلَ فِيهَا، فَقَالَ: الْغَضَبُ ثَلَاثَةُ أَقَسَامً: أَحَدُهَا: أَنْ يَحْصُلَ لِلْإِنْسَانِ مَبَادِئُهُ وَأَوَائِلُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَلَا ذِهْنُهُ، وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَيَقْصِدُهُ؛ فَهَذَا الْإِشْكَالُ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَصِحَّةِ عُقُودِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَرَدُّدِ فِكْرِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْغَضَبُ نِهَايَتَهُ بِحَيْثُ يَنْغَلِقُ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ؛ فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَالْغَضَبُ غُفُولُ الْعَقْلِ، فَإِذَا اغْتَالَ الْغَضَبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْمُكَلَّفِ إنَّمَا تَنْفُذُ مَعَ عِلْمِ الْقَائِلِ بِصُدُورِهَا مِنْهُ وَمَعْنَاهَا وَإِرَادَتِهِ لِلتَّكَلُّمِ، فَالْأَوَّلُ يَخْرُجُ مِنْ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْغَضْبَانِ، وَالثَّانِي يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ، وَالثَّالِثُ يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُكْرَهًا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ تَوَسَّطَ فِي الْغَضَبِ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَتَعَدَّى مَبَادِئَهُ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى آخِرِهِ بِحَيْثُ صَارَ كَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَعُقُودِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا، وَهُوَ فَرْعٌ مِنْ الْإِغْلَاقِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الْأَئِمَّةُ انْتَهَى.

وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَجْزِمْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ غَيْرَ أَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْضًا فِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " بِاخْتِصَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ فَقَدْ أَطَالَ وَأَكْثَرَ فِيهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ.

وَقَالَ: وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ فَمِنْ وُجُوهٍ وَسَاقَ لَهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَجْهًا.

قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ أُغْشِيَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ

Komentar

Postingan Populer