HUKUM TA'RIF (IJTIMA' HARI AROFAH)

حكم التعريف بغير عرفة

يكثر الكلام حول ما يفعل في بعض البلدان الإسلامية من الاجتماع في هذا اليوم؛ للتشبه بالواقفين بعرفات والذكر والدعاء؛ ولكثرة الكلام حول هذا الموضوع أحببت أن أتتبع أقوال العلماء فيه وأدلتهم.

وقد وجدت أن العلماء اختلفوا في التعريف بغير عرفة على أربعة أقوال، وهي:

القول الأول: الاستحباب

وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها صاحب الإنصاف عن الشيخ تقي الدين. (1)

القول الثاني: الجواز بلا كراهة.

وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في غير رواية الأصول.(2)

وهذا أيضاً ظاهر مذهب الحنابلة؛ فقد قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار , يجتمعون في المساجد يوم عرفة , قال: ((أرجو أن لا يكون به بأس, قد فعله غير واحد)).
وقال أيضاً: الحسنُ , وبكرٌ , وثابتٌ ومحمدُ بن واسعٍ كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، قال أحمد: ((لا بأس به , إنما هو دعاء وذكر لله))، فقيل له: تفعله أنت ؟ قال: أما أنا فلا)).(3)

القول الثالث: الكراهة.

وقد نقلها الإمام النووي عن نافع مولى ابن عمر وإبراهيم النخعي والحكم وحماد ومالك بن أنس.
قلت: ولم أقف على قول الإمام مالك في هذه المسألة لكن وجدت هذا النقل للإمام النووي، ورأيت القرطبي المالكي يقول: ((ولا بأس بالتعريف في المساجد يوم عرفة بغير عرفة تشبيها بأهل عرفة)).(4)

وممن يقول بالكراهة أيضا الحنفية في رواية الأصول(5)، نعم علماء الحنفية مختلفون في أن الكراهة ذاتية أو أن محلها ما إذا قصد التشبيه.(6)

القول الرابع: التحريم.

ونُقل ذلك عن الإمام أبو بكر الطرطوشي المالكي حيث عده ضمن البدع المنكرة، إلا أن الإمام النووي قال: ((ولا شك أن من جعله بدعة لا يلحقه بفاحشات البدع, بل يخفف أمرها)).(7)

أدلة المجوزين

استدل المجوِّزون أيضا بعدة أدلة، منها:

• ما روي عن الحسن، قال: ((أول من عرَّف بالبصرة ابن عباس)).
• ما روي عن موسى بن أبي عائشة قال: ((رأيت عمرو بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع الناس إليه)).
• ما روي عن الأعمش قال: ((رأيت أبا وائل وأصحابنا يجلسون يوم عرفة فيتحدثون كما يتحدثون في سائر الأيام)).
• ما روي عن عبد الرحمن بن حرملة أنه رأى سعيد بن المسيب عشية عرفة مسنداً ظهره إلى المقصورة ويستقبل الشام حتى تغرب الشمس.
• ما روي عن يونس عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: ((ما كان يشهد المسجد الجامع عشية إلا من كان يشهده قبل ذلك)).
• ما روي عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عون قال: ((كانوا يسألون محمدا عن إتيان المسجد عشية عرفة فيقول: لا أعلم به بأساً 
فكان يباع في منزله فكان حديثه في تلك العشية حديثه في سائر الأيام)).(8)

• قول أبي عوانة: (( رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس فدعا وذكر الله عز وجل؛ فاجتمع الناس))، وفي رواية: ((رأيت الحسن خرج يوم عرفة من المقصورة بعد العصر فقعد فعرف)).(9)

• ما روي عن القاسم بن محمد قال: (( كانت عائشة تحلق رؤوسنا يوم عرفة، فإذا كان العشي حلقتنا وبعثت بنا إلى المسجد)).(10)

• الإجماع السكوتي، ووجهه فعل ابن عباس رضي الله عنهما بالبصرة, حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه, ولم يُنكَر عليه, وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار.(11).

أدلة المانعين

استدل المانعون بأقوال عدد من الصحابة منها:
• أن الوقوف عرف عبادة مختصة بمكان مخصوص فلا يكون عبادة دونه كسائر المناسك.
• ما روي عن شعبة عن الحكم وحماد، قال: سألتهما عن الاجتماع عشية عرفة فقالا: ((محدث)).
• ما روي عن إبراهيم أنه سُئُل عن التعريف قال: ((إنما التعريف بمكة))، وروي عنه أيضاً قال: ((إن أحق ما لزمت الرجال بيوتها يوم عرفة)).
• ما روي عن ابن الحنفية قال: ((إنما المعرف بمكة)).
• ما روي عن محمد بن سيرين قال: ((لقد رأيتنا زمان زياد وما ننكر عشية عرفة من سائر العشيات)).
• ما روي وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر والحكم قالا : ((المعرف بدعة)).
• ما ذكره هشيم عن بعض أصحابه عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا لا يشهدان المسجد عشية عرفة.(12)
• ما رواه البيهقي عن قتادة عن الحسن قال: ((أول من صنع ذلك بن عباس)).(13)

وختاماً أود أن أشير إلى أن المسألة كما قد رأينا فيها سعة، والمولى أكرم من أن يرد من سأله، أو تشبه بمن أحبه، وقد روى أبو داوود عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم)).(14)

❀❀❀ *الحواشي* ❀❀❀

1- الإنصاف، 2/ 142.
2 - فتح القدير، 2/ 80.
3 - المغني، 2/ 1441.
4- القرطبي، ج 2 ص 419 .
5- تعبير الحنفية (هو ليس بشيء)، واختُلف في معنى هذه العبارة، قال ابن الهمام : ظاهر مثل هذا اللفظ أنه مطلوب الاجتناب، وقال في النهاية: أي ليس بشيء يتعلق به الثواب، وهو يصدق على الإباحة)) ، فتح القدير، 2/ 80 .
6- ورجح ابن الهمام الثاني، وإن كان الأول ظاهر الهداية.
7- المجموع، 8/ 140.
8- مصنف عبد الرزاق من خبر رقم 14266 إلى 14271 إلا رقم 14270.
9- شعب الإيمان خبر رقم(925)
10- ذكر ذلك في كشف القناع 2/ 62.
11- ذكر قريب من ذلك في الموسوعة الفقهية 12/ 253 .
12- مصنف عبد الرزاق من خبر رقم (14272) إلى خبر رقم (14280 ) ، ما عدا رقم(14275).
13- شعب الإيمان خبر رقم(9260).
14- رواه أبو داود في السنن في كتاب اللباس في باب الشهرة برقم ( 3512

 جمعه أخوكم د. مصطفى حامد بن حسن بن سميط
تريم ـ حضرموت

Komentar

Postingan Populer