ANTARA KHUSYU' DAN TIDAK KHUSYU'
*طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ج ٦ ص ٢٨٥-٢٨٧ مكتبة الشاملة*
صَلَاة فِي جمَاعَة بِلَا خشوع وَفِي انْفِرَاد بخشوع
سُئِلَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى عَمَّن يتَحَقَّق من نَفسه أَنه يخشع فِي صلَاته إِذا كَانَ مُنْفَردا وَإِن صلى فِي جمَاعَة تشتتت همته وَلم يُمكنهُ الْخُشُوع مَا الأولى
فَأجَاب رَحمَه الله بِأَن الِانْفِرَاد حِينَئِذٍ أولى وَأَصَح لحَدِيث يُصَلِّي العَبْد وَلَا يكْتب لَهُ من الصَّلَاة عشرهَا
قَالَ وَفضل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْجَمَاعَة على الِانْفِرَاد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة فَكَأَنَّهُ لَو خضع فِي صَلَاة الْجَمَاعَة فِي لَحْظَة كَمَا لَو خضع فِي الانفرد فِي سبع وَعشْرين لَحْظَة فَإِن كَانَت نِسْبَة خضوعه فِي الْجَمَاعَة إِلَى خضوعه مُنْفَردا أقل من نِسْبَة وَاحِدَة إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فالانفراد أولى وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك فالجماعة أولى انْتهى مُلَخصا
وسلك الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام هَذَا المسلك فَأفْتى فِيمَن إِذا حضر الْجَمَاعَة مرائيا أَن الِانْفِرَاد لَهُ أولى
وَهَذَانِ الإمامان إِذا عرض عَلَيْهِمَا حَدِيث ابْن مَسْعُود وَلَقَد رَأَيْتنَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا يَعْنِي الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق وَلَقَد كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ يهادي بَين اثْنَيْنِ حِين يُقَام فِي الصَّفّ
الحَدِيث
أوشك أَن يَقُولَا إِنَّه لم يكن فِي السّلف من تذْهب الْجَمَاعَة حُضُوره وخشوعه وخضوعه بِخِلَاف الْمَسْئُول عَنهُ فَمَا الْمَسْأَلَة الْمَسْئُول عَنْهَا بواقعة فِي السّلف وَأَنا أَقُول مَعَ ذَلِك الَّذِي يظْهر أَن حُضُور الْجَمَاعَة أفضل مُطلقًا وبركتها تربي على ذهَاب الْخُشُوع الَّذِي حصل للسَّائِل وَالزَّمَان الَّذِي ذكره الْغَزالِيّ رَحمَه الله لاعْتِبَار الموازنة أبعد عَن الْحُضُور من زمَان الْجَمَاعَة فَأن يشْتَغل بِالْجَمَاعَة خير لَهُ من أَن يشْتَغل بِاعْتِبَار هَذِه الموازنة وَمُجَرَّد تردده فِي أَنه هَل يحصل لَهُ من الْخُشُوع فِي الْجَمَاعَة مَا يحصل فِي الِانْفِرَاد نوع من الْخُشُوع وَالْجَمَاعَة بِكُل سَبِيل أولى
ثمَّ هَذَا الَّذِي قَالَه الْغَزالِيّ مَعَ كَونه غير مُسلم فِي حق وَاحِد من الْآحَاد يتَّفق لَهُ ذَلِك فِي بعض الْأَحَايِين أما جمع كثير يتفقون على ذَلِك أَو وَاحِد يتْرك الْجَمَاعَة دَائِما مُعْتَلًّا بِهَذِهِ الْعلَّة فَلَا يسمع مِنْهُم وَلَا مِنْهُ وَلَا تتْرك سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي افترضها قوم وَشَرطهَا آخَرُونَ لصِحَّة الصَّلَاة لمثل هَذِه الخيالات وَلَا يفتح لإبليس هَذَا الْبَاب بل الْبركَة كل الْبركَة فِي الِاتِّبَاع ومجاهدة النَّفس على الْخُشُوع فَإِن يَأْتِ فبها ونعمت وَإِلَّا فَترك الْخُشُوع لمتابعة السّنة خشوع خير من الْخُشُوع الْحَاصِل مَعَ الِانْفِرَاد فَتَأمل ذَلِك فَهُوَ حسن دَقِيق
وَحَاصِله أَن السّنة وَإِن وَقعت نَاقِصَة وَهِي الْجَمَاعَة بِلَا خشوع خير من لَا سنة بِالْكُلِّيَّةِ وَإِن وَقع فِيهَا سنة أُخْرَى وَهِي الْخُشُوع
وَقد أغري بعض محبي الْخلْوَة بترك الْجَمَاعَة لمثل ذَلِك وَذَلِكَ عندنَا أَمر مُنكر بل خُرُوجه إِلَى الْجَمَاعَة وَإِن كَانَ سنة سَاعَة خير لَهُ من ألف سَاعَة مَعَ ترك السّنة وَإِن دقق مدقق وَقَالَ لَا نسلم ثُبُوت السّنة هُنَا فَهُوَ محجوج بالظواهر الدَّالَّة على طلب الْجَمَاعَة على الْإِطْلَاق من غير فرق بَين خاشع ومشتت
حاشية إعانة الطالبين - (2 / 13)
ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى
كما أطبقوا عليه حيث قالوا إن فرض الكفاية أفضل من السنة
وأفتى الغزالي وتبعه أبو الحسن البكري في شرحه الكبير على المنهاج بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته
قال شيخنا وهو كذلك إن فات في جميعها
وإفتاء ابن عبد السلام بأن الخشوع أولى مطلقا إنما يأتي على قول أن الجماعة سنة
(قوله: ولو تعارض الخشوع والجماعة) يعني لو صلى منفردا خشع، ولو صلى مع جماعة لم يخشع.
وقوله: فهي أي الجماعة، أي حضورها من غير خشوع.
وقوله: أولى أي من الصلاة منفردا مع الخشوع.
(قوله: كما أطبقوا عليه) الظاهر أن الكاف تعليلية بمعنى اللام، أي لما اتفق الفقهاء عليه من أن فرض الكفاية أفضل من السنة والجماعة من فروض الكفاية.
وقوله: حيث قالوا إلخ بيان لما أطبقوا عليه.
ولو قال لما أطبقوا عليه من أن فرض الكفاية أفضل من السنة لكان أوضح وأخصر.
وقال في التحفة بعده: وأيضا فالخلاف في كونها فرض عين وكونها شرطا لصحة الصلاة أقوى منه في شرطية الخشوع. اه.
قوله: وأفتى الغزالي إلخ صرح في التحفة بعد أن نقل عنه الافتاء المذكور بأنه رأى له إفتاء آخر فيمن لازم الرياضة في الخلوة حتى صارت طاعاته تتفرق عليه بالاجتماع بأنه رجل مغرور، إذ ما يحصل له في الجماعة من الفوائد أعظم من خشوعه. اه.
(قوله: لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته) لم يقيد به في المغنى، وعبارته: وأفتى الغزالي أنه لو كان إذا صلى منفردا خشع ولو صلى في جماعة لم يخشع فالانفراد أفضل، وتبعه ابن عبد السلام.
قال الزركشي: والمختار، بل الصواب، خلاف ما قالاه، وهو كما قال. اه.
ومثله شرح الروض.
(قوله: قال شيخنا إلخ) لم أره في التحفة ولا في فتح الجواد، بل الذي صرح به في فتح الجواد خلافه، وهو أنه لو فاته الخشوع فيها رأسا تكون الجماعة أولى.
وعبارته وأفتى الغزالي أولا وابن عبد السلام بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته، وهو حقيق بتصويب خلافه الذي سلكه الاذرعي والزركشي وأطالا فيه، بل الاوجه أنه لو فاته فيها من أصله تكون
الجماعة أولى، لانها أكثر منه، إذ هي فرض عين أو شرط للصحة عند جماعة، وشعار الاسلام قائم بها أكثر منه، فلتكن مراعاته أحق، ولو فتح ذلك لتركها الناس واحتجوا، لا سيما جهلة الصوفية، بأنهم لا يحصل لهم معها خشوع، فتسقط عنهم، فوجب سد هذا الباب عنهم بالكلية. اه.
وقوله: وهو أي إفتاء الغزالي بأولوية الانفراد.
وقوله: كذلك أي صحيح، كما أفتى به.
لكن إن فات الخشوع في جميعها.
(قوله: أولى مطلقا) أي سواء فات الخشوع مع الجماعة في جميعها أو في بعضها.
Komentar
Posting Komentar